عن تشكُّلِ وانتفاء الأحلام الوردية في دولة البؤساء

ثلاثاء, 07/04/2017 - 16:24
عن تشكُّلِ وانتفاء الأحلام الوردية في دولة البؤساء

إنما الحياة ابتلاء وامتحان كبير فإياكم وأن تعلوا شأن أمورها في قلوبكم أيها الناس فتصبحوا على ذلك من النادمين ، وليس كل أمر أُحسنَ الترويج له إعلاميا حتى خطف ذائقة الناس العامة بصواب وليس كل مستهجنٍ بخطإٍ أيضا ، بل إنما تقاس الأمور بمعايير الصدق والوفاء وما نص الله عليه في شرعه من قيم بيّنةٍ ........

وإياكم أيها الناس والمرأة المترفة فإنها أسوء صديق وأحقرُ من أوتمن ،

 وعليكم بالصداقة الودودة وإن شقّ كسبها عليكم ، فلو منحتم الأولى قلبا لاتخذته سخرية ومطية لتحقيق مآربها وطموحاتها ، بينما لو منحتموه الثانية لاستغنت به عن كل إنسان وكل شيء في الوجود ....

وفي حال مجتمعنا المترف بطبعيه البدائي في حقيقته كثر حال المسألة الأولى فكل النساء فينا مرتبطات بالكماليات على حساب الضروريات وكلهنّ يبحثنّ عن ترف العيش و رغده لا عن صالح الدنيا وتسير شؤونها أسريا بحكمة ووفاء ...

الوطن ليس بخير وليس بمقدور كل خيّرٍ إلا أن يُعبرَ عن ذلك فقط لأن الأفعال من شيّم الأقوياء والمتنفذين في هذا الزمان، وكل أموره تجانبُ الصوابُ تبعا لذلك ، فعليكم بالصبر والدعاء له عسا هذه الغيمة أن تنجلي وعسا السماء تمطرُ ذات صباح

كان عليّ وأنا أدير مُدنا من الهواجس الملآى من هموم ما يحيطُ بكل ذو حلم ورديّ في هذا الزمن ، أن أجلس على حافة الطريق حيث يمرّ الآمنون في هذا الوطن وأن أدير ظهري للرياح كي لا أستنشق نسيم وردهم العذب وأن أحاول جاهدا أن أبيّن لكل المحرومين الطامعين بما لم يُقدر لهم حقيقة أن السماء التي تجرون تحتها ملك من خصته هذه البطانة بثقتها وبمن مُنحت له من طرفها ، لكن إعياء المطالب وتكدسها تبعا لتلك الحقيقة يحول دون أي مطلب كهذا..

أو ربما كان عليّ أن أبقى في الخيام هناك بعيدا عن أزيز المدينة وعن كل ما فرضته على المجتمع تعاليما وتقليدا ، وأن أرعى هناك أغناما وأبقارا صار الفناء يمخرُ أعظمها وأرواحها بفعل هجر الجميع لها وتخليهم عنها ، فكل ما قالوه لنا عن المدينة وعن الدولة إبان تشيدها وتأسيسها كان مجرد حلمٍ لم يستطع أهله أو من آمن به أن يحققه لما يحيطُ بهم من مغفلين ومن أعداء الأحلام الوردية ومن الذين لا يفهمون إلا لغة مصالحهم الشخصية الموغلين في حب الذات تجبرا وقداسة جاهلية والمتوكلين على الأشياء المادية دون الله ، والحاملين على أكتاف الزهور دماء الأبرياء والمتاجرين ببراءتهم .

فلا يوجد شيء والحال هذه أجمل من الجلوس على ظهر كثيب رملي تحت خيمة بيضاء في جو مسائي يخامرُ ضحكات الطبيعة الوافدة مع فصل الخريف وسحبه ، وإدارة كؤوس من الشاي المعتّق بخمر سجية أناس وادعون رغم شراهتهم وطيبون رغم حدتهم ، بعيدا عن كل شيء هنا مصطنع تتلقفه آفات الأطماع وشقوة الذات الشريرة اللامبالية بغيرها مطلقا.

وجوه الثائرين واليائسين هنا كثيرة بحجم ما في الدولة من أحلام مبعثرة في قلوب نساكها وعشاقها المجروحين ، ووجوه المحرومين أكثرُ من ذلك بكثير ، فلا يوجد ها هنا سوى رب البيت وخادمُ الناس قهرا رغم رفضهم لذلك والمتكلمُ باسمهم الناطق بما ليس في قلوبهم المعبر عن ما في سجيته الشريرة من أطماع ومن خسائس ودسائس ..

وكان على جدتي بعد كل ذلك وهي تحلمُ بمستقبلي في تلك الفيافي البعيدة وفي ذلك الفضاء الشاسع أن تراعي حجم التناقض الذي قد يعيشه أي محروم قادم من الأطراف وليس له سندٌ في هذه الحياة ، كان عليها أن ترضى بما قدر الله لها لي وأن تتبعني أسلافها فكرا وعقلا فكل ما يتحدثون عنه في المدارس وفي وسائل الإعلام وكل ما يرون مثاليا لا يصلحُ للكلام غيره مجرد هراء وسراب والواقع عكسه ، فسيظلّ رغم براءة حلمها الورديّ وجماله صاحبُ هذه الحياة يملكُ رقاب الجميع وسيفا مسلطا على الجميع إلا ما شاء الله ..

فلأحلامها هي أصل ينمُ عن طبيعة نظرتها للأمور وللحياة بشكل عام ، ولصاحبِ الأمر طبع يفرضه عليه وضعه ومنصبه رغم أنه يظل يجهل كل شيء مخالف لهواء خاصة إذا كان فاسدا إلا ما رحم ربك ، وللضعفاء والمساكين وهم أحياء خلف الهامش إحساسهم المتقد بوقع الظلم والإهمال ، ومن اختلاف كل ذلك تتأسس الحياة ويتشكل الخير في مقابل الشر والسذاجة في مقابل الشقاء والظلم مقابل العدل والدولة مقابلة اللادولة والحكم مقابل الفوضى والشتات ...

لو أن أهل الأمر راعوا أحلام جدتي لأسسوا مجتمعا مثاليا بالتمام ولو أنهم بادروا الخير في تشكيل شخصية الإنسان وقدروه حق قدره كما كرَمه الله لكانت نِسب الضياع والشعور بالأسى وباللاعتبار أقل مما يزداد ويتفاقم في الواقع صمتا ودون صمت سواء كانوا يشعرون أو لا يشعرون بذلك ، لكن أهواءهم لا تعرف إلا أهواءها ونفوسهم لا تكرمُ إلا نفوسها والإنسان عندهم مقتصرٌ على إنسانيتهم هم الناقصة وغيرهم هباء لا يروه إلا قليلا ..

أحتاج أيها الناس وأنتم كذلك وإن لم تعترفوا بذلك وتقولوه إلى وطنٍ يتأسس على العدل وللجميع وبالجميع ، وإلى أرض طاهرة تربطها علاقة ثقة لا علاقة احتيال مع أبنائها وإلى سماء كحجم الأمل الذي يحدوا كل عاشق حالم بالصبح في حالك الليل تمطرُ دوما بما يرضى الجميع .

واحبُ أن أرى سمة القائد الذي رسمته في مخيلتي جدتي تلك بقصصها الرائعة وهو يعيش بين الناس يدير أمورهم ويحلّ مشاكلهم بغبطة ووفاء لا يقرِّبُ أحدا عن أحد ولا يهملُ أحدا على حساب إلا بحق

لكنني أخافُ ان أبقى أسيرا ككل محروم في هذا الوطن لتلك الآمال والأحمال التي يُزيفها الواقع وتكذبُ صدقها وساوس الناس في هذا اليوم وهمومهم .

بقلم/ باب ولد سيد أحمد لعلي