تفشي ظاهرة الاغتصاب (قديم)

سبت, 07/15/2017 - 10:47
تفشي ظاهرة الاغتصاب (قديم)

 

تفشي ظاهرة الاغتصاب

في السنوات الأخيرة، هزّت الرأي العام الموريتاني حالات اغتصاب عدّة إذ لم يكتفِ الجناة باغتصاب ضحاياهم بل قتلوهم. وغلب على تلك الحالات طابع اغتصاب القاصرات والأطفال. فقبل عامين، وُجدت الطفلة خدى توري، ابنة الست سنوات، مغتصبة ومقتولة ومرمية على شاطئ المحيط الأطلسي غرب العاصمة نواكشوط. وقبل أشهر، عُثر على الطفلة زينب، ابنة العشر سنوات، مغتصبة ومحروقة ومتروكة في مكان مهجور في عرفات، شرق العاصمة نواكشوط. وهناك قضية باندا سوغو التي قتلها مغتصبوها ومثلوا بجثتها، وقصص مشابهة تظهر بين الحين والآخر.

هذه الأحداث جعلت الكثيرين يدقون ناقوس الخطر ويطالبون بمعالجة هذه الظاهرة، خاصة مع ارتفاع معدل حالات الاغتصاب المسجلة. فبحسب قاعدة بيانات رابطة النساء معيلات الأسر، سُجّلت العام الماضي 1279 حالة، في بلد عدد سكانه ثلاثة ملايين ونصف المليون

وقالت الناشطة في مبادرة "اتكلمي" العاملة في مجال حقوق المرأة ومناهضة الاغتصاب، مليكة منت محمد الأمين لرصيف22: "تصاعد وتيرة العنف الموجه ضد النساء في موريتانيا يقلقنا كمنظمات ناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، لأن هذه الجرائم تستهدف النساء بوصفهن نساء بشكل خاص وهي لا تنفصل عن النظرة الدونية للمرأة ولجسدها في المجتمع بشكل عام. ومعدلات الاغتصاب تتصاعد في ظل غياب قوانين صريحة وصارمة تجرّم الاغتصاب، وعدم ملاءمة النصوص القانونية مع الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها موريتانيا".

ضعف القانون وقصة الشهود الأربعة

يأخذ الكثير من الحقوقيين الموريتانيين على القانون الجنائي الموريتاني عدم صرامته في ما يتعلق بالاغتصاب، ويتهمون المشترع بالتمييز ضد المغتصبة. وحسب المادتين 309 و310 من هذا القانون، يعاقَب المغتصِب بالأشغال الشاقة المؤقتة والجلد 80 جلدة، وهو ما يرى الناشطون ضد الاغتصاب أنه عقابٌ لا يتناسب مع الجرم، خاصة أن الجلد لا يطبق في موريتانيا.

ويضاف إلى ذلك أن القانون الجنائي الموريتاني لا يعترف بتقنية الحمض النووي ولا يتم اللجوء إليها. وفي الوقت نفسه يضع شروطاً شبه تعجيزية لإثبات جريمة الاغتصاب، وهي ضرورة وجود أربعة شهود أو اعتراف الجاني، وهذا ما يساعد الجناة على الإفلات من العقاب. كذلك يضع القضاة الضحية في موقع المتهم، فحسب النشطاء، أول ما تُسأل عنه الضحية: ما هو نوع ثيابك وقت الاغتصاب؟ ولماذا خرجت؟ كأن الخروج أو طريقة اللباس هي تهم.

لا تتعدى القضايا التي أدان فيها القضاة المتهمين 1% من مجموع القضايا. وتؤكد المنظمات الحقوقية وبعض الدراسات أن نسبة المبلغات عن اغتصابهن ضئيلة جداً، فـ90% من الحالات لا يتم التبليغ عنها، وذلك ناتج من معوقات عدة، منها عدم وضوح القانون ونظرة المجتمع.

تقول الناشطة مليكة منت محمد الأمين: "المشترع الموريتاني يصنّف جرائم الاغتصاب كحالات زنى. كما أن المدونة الجنائية لا تعرّف الاغتصاب. وشروط المشترع تعجيزية للناجية من العنف. المشترع الموريتاني غير جدّي في تجريم الاغتصاب ويستهزئ بنا كنساء"، وتخلص إلى أن التواطؤ المجتمعي مع الاعتداءات الجنسية والجرائم الموجهة ضد النساء والتساهل معها هما وراء زيادة وتيرتها.

المجتمع يحمي الجناة

المرشدة الاجتماعية، الدكتورة السالكة أحمين سالم قالت: "للأسف الشديد، نجد في موريتانيا أن نسبة المطبق عليهم القانون قليلة جداً، ولذلك أصبحت ظاهرة الاغتصاب تتفشى وتتزايد يوماً بعد يوم. ويعود السبب الأول إلى ضعف تطبيق القوانين، إذ إن المشترع الموريتاني وضع عقوبات قاسية وصارمة في حق المغتصب، إلا أن تنفيذها الضعيف جعل الكثيرين يتمادون في إجرامهم وبقلب بارد". وبرأيها، تعمل عوامل عدّة على ترسيخ ظاهرة الاغتصاب وأهمها:

ـ سيادة سلطة القبيلة: فالبعض يفلت من العقاب لأنه محمي من القبيلة والعشيرة، وحين يرتكب أحدهم جريمة ما تتدخل القبيلة من باب أنه لا يجوز أن يكون أحد أفرادها في السجن، فيحمون المغتصب وتُرتكب جريمة ثانية في حق الضحية (ضياع الحق)، وقد تُرتكب جريمة ثالثة بتزويجها من مغتصبها، ليُكافأ المجرم بدل معاقبته.

ـ عدم الصرامة في تنفيذ القوانين: ظاهرة الإفلات من العقاب متفشية في موريتانيا. فعندما يكون المغتصب أو ابنه أو أحد ذويه شخصية مرموقة، يُلقى باللوم على الفتاة في أغلب الأحيان، ويدفع ذوو المغتصَبة إلى تسجيل القضية على أنها زنى فتنقلب على بناتهم ويتنازلون عن حقهم ويضيع حق ابنتهم.

ـ رجعية عقليات البعض: الكثير من الأهالي ما زالوا يعتبرون الفتاة المغتصَبة وصمة عار. وبدل أن يُنظر لها كضحية يتعاملون معها كمجرمة. ولذلك نجد أن الكثيرين ما زالوا يتكتمون على الاغتصاب ولا يبلغون عنه، خوفاً من العار والفضيحة. وفي بعض الأحيان يكون المغتصِب هو الأب أو الأخ أو أحد أفراد الأسرة، وفي هذه الحالة يتم التكتم على الجريمة كلياً ويضيع حق الفتاة وينجو الفاعل بفعلته بكل سهولة.

ـ الفقر: البعض يستغل الظروف المادية الصعبة لذوي ضحايا الاغتصاب ويساومهم مادياً، ليبرموا معهم صفقة يأخذون بموجبها القليل من المال مقابل سحب شكاويهم أو الصمت عمّا حل ببناتهم.

لفساد النظام دور أيضاً

وتحدثت منت أحمين سالم عن تجربتها ومعضلة كسل الشرطة، وقالت: "حسب تجربتي مع الشرطة وجدت أنه في كثير من الأحيان يسجلون بعض قضايا الاغتصاب على أساس أنها زنى لكي يتهربوا من مسؤولياتهم أو بهدف الرشوة أو تواطؤاً من الجناة، وفي هذه الحالة يفلت الجاني من العقاب". وأضافت: "كل هذه العوامل وغيرها أصبحت تؤصل فكرة الإفلات من العقاب، وتشجع على الجريمة بصورة عامة والاغتصاب بصورة خاصة، لذلك أصبح الإفلات من العقاب جريمة أخطر من الجريمة نفسها".

ويُرجع البعض إشكالية الإفلات من العقاب إلى الفساد الذي ينخر جسم القضاء الموريتاني وعدم استقلاليته، ويعتبرونها إحدى تجليات فساد النظام الحاكم. وقال الناشط السياسي سيد ولد محمد الأمين: "لا يمكن التعويل على نظام مثل النظام الحالي، فهذا النظام "مغتصب" للسلطة ولا يحترم القانون ويخرقه ويتجاوزه يومياً، فكيف ينتظر منه أن يعاقب مغتصبين مثله؟".

القسم: